الحمد لله الذي هدانا للإسلام، وفضلنا به على سائر الأنام، أحمده سبحانه وأشكره على جزيل الفضل والإنعام، وأشهد ألا اله إلا الله وحده لا شريك له الملك العلام، وأشهد أن محمدًا عبده ورسوله سيد الأنام، صلى الله وسلم عليه وعلى آله الأطهار، وأصحابه الأخيار، والتابعين ومن تبعهم بإحسان ما تعاقب الليل والنهار.
أما بعد:
فاتقوا الله عباد الله، فإن تقواه -سبحانه- بها العصمة من الضلالة، والسلامة من الغواية، وهي السبيل إلى السعادة والنجاة يوم القيامة، فاتقوا الله حق تقاته، والتزموا طاعته ومرضاته، وتذكروا ـ عباد الله ـ أن الله عز وجل قد فضل بعض مخلوقاته على بعض، اصطفاءً منه واختيارًا، وتشريفًا وتكريمًا )) وَرَبُّكَ يَخْلُقُ مَا يَشَاء وَيَخْتَارُ(([القصص:68 ].
وإن مما فضل الحق عز وجل من مخلوقاته، تفضيله بعض الأيام على بعض، وجعلها موسمًا لإفضاله وإنعامه، ومتَّجرًا لأوليائه وأصفيائه، يغتنمونها بما يقربهم إليه تعالى، ويدنيهم من رحمته ورضوانه.
ألا وإن يوم الجمعة أعظم الأيام عند الله قدرًا، وأجلها شرفًا، وأكثرها فضلاً، فقد اصطفاه الله تعالى على غيره من الأيام، وفضله على ما سواه من الأزمان، واختص الله عز وجل به أمة الإسلام، فقد ضلت عنه اليهود والنصارى، وهدى الله تعالى أمة الإسلام إليه تشريفًا وتكريمًا لها ببركة نبيها - صلى الله عليه و سلم - الذي نالت بيمن رسالته كل خير وفضيلة.
روى مسلم في صحيحه أن رسول الله - صلى الله عليه و سلم - قال: ((أضل الله عن الجمعة من كان قبلنا، فكان لليهود يوم السبت، وكان للنصارى يوم الأحد، فجاء الله بنا، فهدانا ليوم الجمعة)).
فيوم الجمعة سيد الأيام كلها، خصه الله تعالى بخصائص عظمى، وشرفه بمزايا كبرى، ليست لغيره من الأيام، وندب الله عز وجل العباد إلى اغتنام ما فيه من الفضائل والمسارعة إلى ما خص به من الطاعات.
وإن مما أشار إليه رسول الهدى - صلى الله عليه و سلم - من فضائل هذا اليوم وخصائصه، ما روى مسلم في صحيحه عن أبي هريرة رضي الله عنه أن رسول الله - صلى الله عليه و سلم - قال: ((خير يوم طلعت فيه الشمس يوم الجمعة، فيه خلق آدم، وفيه أدخل الجنة، وفيه أخرج منها، ولا تقوم الساعة إلا في يوم الجمعة)).
وروى الإمام أحمد وابن ماجه عن أبي لبابة البدري رضي الله عنه أن رسول الله - صلى الله عليه و سلم - قال: ((إن يوم الجمعة سيد الأيام، وأعظمها عند الله، وهو أعظم عند الله من يوم الأضحى ويوم الفطر، فيه خمس خلال: خلق الله عز وجل فيه آدم، وأهبط الله فيه آدم إلى الأرض، وفيه توفى الله آدم، وفيه ساعة لا يسأل الله فيها العبد شيئًا إلا أعطاه ما لم يسأل حرامًا، وفيه تقوم الساعة، ما من ملك مقرب، ولا سماء ولا أرض ولا رياح ولا جبال ولا بحر إلا وهن يشفقن من يوم الجمعة).
فقد عدد رسول الله - صلى الله عليه و سلم - في هذه الأحاديث بعض خصائص هذا اليوم ومزاياه، وإن من أجلها ما أشار إليه - صلى الله عليه و سلم - من أن فيه ساعة لا يوافقها عبد مسلم يسأل الله شيئًا إلا أعطاه إياه، وقد قال الإمام أحمد رحمه الله: (أكثر الأحاديث في الساعة التي ترجى فيها إجابة الدعوة أنها بعد صلاة العصر).
وقد روى أبو داود والنسائي والحاكم وصححه عنه - صلى الله عليه و سلم - أنه قال: ((التمسوها آخر ساعة بعد العصر)).
وإن مما شرع من العبادات في هذا اليوم قراءة سورة الكهف، ففي الحديث عند النسائي والحاكم وصححه عن أبي سعيد الخدري رضي الله عنه عن النبي - صلى الله عليه و سلم - أنه قال: ((من قرأ سورة الكهف في يوم الجمعة أضاء له من النور فيما بينه وبين الجمعتين)).
عباد الله، إن من أعظم ما شرع الله تعالى في هذا اليوم المبارك، ومن أجل خصائصه صلاة الجمعة، فإنها من أعظم الصلوات قدرًا، وآكدها فرضًا، وأكثرها ثوابًا، قد أولاها الإسلام مزيد عناية، وبالغ رعاية، فحث على الاغتسال لها، والتنظف والتطيب، وقطع الروائح الكريهة، والخروج إليها بأحسن لباس وأكمل هيئة، والتبكير في الخروج إليها، والدنو من الإمام، واستجماع القلب للاستماع للموعظة والذكر، ففي الحديث المتفق عليه عن أبي هريرة رضي الله عنه أن رسول الله - صلى الله عليه و سلم - قال: ((من اغتسل يوم الجمعة غسل الجنابة ثم راح في الساعة الأولى فكأنما قرب بدنة، ومن راح في الساعة الثانية فكأنما قرّب بقرة، ومن راح في الساعة الثالثة فكأنما قرب كبشًا أقرن، ومن راح في الساعة الرابعة فكأنما قرب دجاجة، ومن راح في الساعة الخامسة فكأنما قرب بيضة، فإذا خرج الإمام حضرت الملائكة يستمعون الذكر)).
وروى أبو داود والحاكم وصححه عن سمرة بن جندب رضي الله عنه أن نبي الله - صلى الله عليه و سلم - قال: ((احضروا الجمعة، وادنوا من الإمام، فإن الرجل ما يزال يتباعد حتى يؤخر في الجنة وإن دخلها)).
ثم إن على المرء إذا حضر في المسجد أن يشتغل بالعبادة والطاعة من صلاة وذكر وتلاوة للقرآن، حتى يخرج الإمام، فإذا خرج الإمام أصغى واستمع للخطبة، متعظًا بما يكون فيها من آيات تتلى، وأحاديث تروى، تذكر بالله تعالى والدار الآخرة، وتدعو إلى التمسك بتعاليم الشرع المبين، والحث على ما فيه خير وصلاح للفرد والأمة، في العاجل والآجل، ثم يؤدي الصلاة بخشوع وسكينة، وتدبر لما يتلى فيها من كلام الله عز وجل، وما يكون فيها من هيئات الذل والعبودية لله تعالى، فإذا فرغ من صلاة الفرض، اشتغل بالأذكار المشروعة بعد الصلاة، ثم يسن أن يتنفل بأربع ركعات في المسجد أو بركعتين في بيته وتأخيرها إلى البيت أفضل لفعله - صلى الله عليه و سلم -، كما ثبت في الصحيحين، فمن حرص على فعل ذلك وأداه بنية خالصة فحري به أن ينال فضل هذا اليوم المبارك وأن يحظى بثوابه العظيم من المنعم الكريم فقد قال - صلى الله عليه و سلم -: ((من توضأ فأحسن الوضوء ثم أتى الجمعة فاستمع وأنصت، غفر له ما بينه وبين الجمعة، وزيادة ثلاثة أيام)) رواه مسلم في صحيحه.
ولتحذروا ـ عباد الله ـ كل ما نهى عنه الشرع وحذر، مما يكون سببًا في فوات أجر الجمعة أو نقصان ثوابها كالتأخر في الذهاب إليها حتى يخرج الإمام، أو إشغال المصلين بتخطي رقابهم، فقد رأى - صلى الله عليه و سلم - وهو يخطب يوم الجمعة رجلاً يتخطى رقاب الناس فقال له - صلى الله عليه و سلم - منكرًا عليه: ((اجلس فقد آذيت وآنيت)) وإنه ليخشى على من يفعل ذلك أن يدخل في عمـوم قـول الله عز وجـل: ))وَٱلَّذِينَ يُؤْذُونَ ٱلْمُؤْمِنِينَ وَٱلْمُؤْمِنَـٰتِ بِغَيْرِ مَا ٱكْتَسَبُواْ فَقَدِ ٱحْتَمَلُواْ بُهْتَـٰناً وَإِثْماً مُّبِيناً(([الأحزاب:58 ].
وليحذر التشويش على عباد الله برفع الصوت بالذكر أو التلاوة، فقد نهى رسول الله عن ذلك بقوله للصحابة حينما علت أصواتهم بالقراءة: ((لا يجهر بعضكم على بعض بالقرآن)) والأسوأ من ذلك أن يحصل التشويش بالحديث مع الغير في أمور الدنيا، ولاسيما أثناء الخطبة، فإن من الحرمان وقلة البصيرة أن ينشغل المرء عن الخطبة بحديث أو عبث بحصى أو غيره، فيفوته بذلك ثواب الجمعة وفضلها، فقد قال - صلى الله عليه و سلم - في التحذير من ذلك: ((من مس الحصى فقد لغا)) رواه مسلم في صحيحه، وروى أيضًا عن أبي هريرة رضي الله عنه أن رسول الله - صلى الله عليه و سلم - قال: ((إذا قلت لصاحبك: أنصت، يوم الجمعة والإمام يخطب فقد لغوت)) وروى الإمام أحمد عن علي رضي الله عنه قال: قال رسول الله - صلى الله عليه و سلم -: ((من قال لصاحبه والإمام يخطب: صه، فقد لغا، ومن لغا فلا جمعة له)).
وإن من كبائر الذنوب ـ يا عباد الله ـ أن يتخلف المسلم عن حضور الجمعة من غير عذر شرعي، فقد شدد رسول الله - صلى الله عليه و سلم - في التحذير من ذلك مبينًا - صلى الله عليه و سلم - أن من فعل ذلك فقد عرض نفسه للإصابة بداء الغفلة عن الله والطبع على قلبه، ومن طبع الله على قلبه عميت بصيرته وساء مصيره، روى مسلم في صحيحه أن رسول الله - صلى الله عليه و سلم - قال: ((لينتهين أقوام عن ودعهم الجمعات أو ليختمن الله على قلوبهم ثم ليكونن من الغافلين))، وروى الإمام أحمد بإسناد حسن، والحاكم وصححه عن أبي قتادة رضي الله عنه أن رسول الله - صلى الله عليه و سلم - قال: ((من ترك الجمعة ثلاث مرات من غير ضرورة طبع الله على قلبه)).
فاتقوا الله عباد الله، ولتغتنموا يوم الجمعة بجلائل الأعمال الصالحة التي تقربكم إلى الله تعالى، وتدنيكم من رحمته ورضوانه، فإن ذلك من أسباب الفلاح والتوفيق في الحياة الدنيا وفي الآخرة، يقول عز وجل: ))يٰأَيُّهَا ٱلَّذِينَ ءامَنُواْ إِذَا نُودِىَ لِلصَّلَوٰةِ مِن يَوْمِ ٱلْجُمُعَةِ فَٱسْعَوْاْ إِلَىٰ ذِكْرِ ٱللَّهِ وَذَرُواْ ٱلْبَيْعَ ذَلِكُمْ خَيْرٌ لَّكُمْ إِن كُنتُمْ تَعْلَمُونَ ، فَإِذَا قُضِيَتِ ٱلصَّلَوٰةُ فَٱنتَشِرُواْ فِى ٱلأَرْضِ وَٱبْتَغُواْ مِن فَضْلِ ٱللَّهِ وَٱذْكُرُواْ ٱللَّهَ كَثِيراً لَّعَلَّكُمْ تُفْلِحُونَ(([الجمعة: 9، 10].
نفعني الله وإياكم بالقرآن الكريم، وبهدي سيد المرسلين، أقول قولي هذا وأستغفر الله لي ولكم ولسائر المسلمين من كل ذنب فاستغفروه، إنه هو الغفور الرحيم.
أما بعد:
فاتقوا الله عباد الله، فإن تقواه -سبحانه- بها العصمة من الضلالة، والسلامة من الغواية، وهي السبيل إلى السعادة والنجاة يوم القيامة، فاتقوا الله حق تقاته، والتزموا طاعته ومرضاته، وتذكروا ـ عباد الله ـ أن الله عز وجل قد فضل بعض مخلوقاته على بعض، اصطفاءً منه واختيارًا، وتشريفًا وتكريمًا )) وَرَبُّكَ يَخْلُقُ مَا يَشَاء وَيَخْتَارُ(([القصص:68 ].
وإن مما فضل الحق عز وجل من مخلوقاته، تفضيله بعض الأيام على بعض، وجعلها موسمًا لإفضاله وإنعامه، ومتَّجرًا لأوليائه وأصفيائه، يغتنمونها بما يقربهم إليه تعالى، ويدنيهم من رحمته ورضوانه.
ألا وإن يوم الجمعة أعظم الأيام عند الله قدرًا، وأجلها شرفًا، وأكثرها فضلاً، فقد اصطفاه الله تعالى على غيره من الأيام، وفضله على ما سواه من الأزمان، واختص الله عز وجل به أمة الإسلام، فقد ضلت عنه اليهود والنصارى، وهدى الله تعالى أمة الإسلام إليه تشريفًا وتكريمًا لها ببركة نبيها - صلى الله عليه و سلم - الذي نالت بيمن رسالته كل خير وفضيلة.
روى مسلم في صحيحه أن رسول الله - صلى الله عليه و سلم - قال: ((أضل الله عن الجمعة من كان قبلنا، فكان لليهود يوم السبت، وكان للنصارى يوم الأحد، فجاء الله بنا، فهدانا ليوم الجمعة)).
فيوم الجمعة سيد الأيام كلها، خصه الله تعالى بخصائص عظمى، وشرفه بمزايا كبرى، ليست لغيره من الأيام، وندب الله عز وجل العباد إلى اغتنام ما فيه من الفضائل والمسارعة إلى ما خص به من الطاعات.
وإن مما أشار إليه رسول الهدى - صلى الله عليه و سلم - من فضائل هذا اليوم وخصائصه، ما روى مسلم في صحيحه عن أبي هريرة رضي الله عنه أن رسول الله - صلى الله عليه و سلم - قال: ((خير يوم طلعت فيه الشمس يوم الجمعة، فيه خلق آدم، وفيه أدخل الجنة، وفيه أخرج منها، ولا تقوم الساعة إلا في يوم الجمعة)).
وروى الإمام أحمد وابن ماجه عن أبي لبابة البدري رضي الله عنه أن رسول الله - صلى الله عليه و سلم - قال: ((إن يوم الجمعة سيد الأيام، وأعظمها عند الله، وهو أعظم عند الله من يوم الأضحى ويوم الفطر، فيه خمس خلال: خلق الله عز وجل فيه آدم، وأهبط الله فيه آدم إلى الأرض، وفيه توفى الله آدم، وفيه ساعة لا يسأل الله فيها العبد شيئًا إلا أعطاه ما لم يسأل حرامًا، وفيه تقوم الساعة، ما من ملك مقرب، ولا سماء ولا أرض ولا رياح ولا جبال ولا بحر إلا وهن يشفقن من يوم الجمعة).
فقد عدد رسول الله - صلى الله عليه و سلم - في هذه الأحاديث بعض خصائص هذا اليوم ومزاياه، وإن من أجلها ما أشار إليه - صلى الله عليه و سلم - من أن فيه ساعة لا يوافقها عبد مسلم يسأل الله شيئًا إلا أعطاه إياه، وقد قال الإمام أحمد رحمه الله: (أكثر الأحاديث في الساعة التي ترجى فيها إجابة الدعوة أنها بعد صلاة العصر).
وقد روى أبو داود والنسائي والحاكم وصححه عنه - صلى الله عليه و سلم - أنه قال: ((التمسوها آخر ساعة بعد العصر)).
وإن مما شرع من العبادات في هذا اليوم قراءة سورة الكهف، ففي الحديث عند النسائي والحاكم وصححه عن أبي سعيد الخدري رضي الله عنه عن النبي - صلى الله عليه و سلم - أنه قال: ((من قرأ سورة الكهف في يوم الجمعة أضاء له من النور فيما بينه وبين الجمعتين)).
عباد الله، إن من أعظم ما شرع الله تعالى في هذا اليوم المبارك، ومن أجل خصائصه صلاة الجمعة، فإنها من أعظم الصلوات قدرًا، وآكدها فرضًا، وأكثرها ثوابًا، قد أولاها الإسلام مزيد عناية، وبالغ رعاية، فحث على الاغتسال لها، والتنظف والتطيب، وقطع الروائح الكريهة، والخروج إليها بأحسن لباس وأكمل هيئة، والتبكير في الخروج إليها، والدنو من الإمام، واستجماع القلب للاستماع للموعظة والذكر، ففي الحديث المتفق عليه عن أبي هريرة رضي الله عنه أن رسول الله - صلى الله عليه و سلم - قال: ((من اغتسل يوم الجمعة غسل الجنابة ثم راح في الساعة الأولى فكأنما قرب بدنة، ومن راح في الساعة الثانية فكأنما قرّب بقرة، ومن راح في الساعة الثالثة فكأنما قرب كبشًا أقرن، ومن راح في الساعة الرابعة فكأنما قرب دجاجة، ومن راح في الساعة الخامسة فكأنما قرب بيضة، فإذا خرج الإمام حضرت الملائكة يستمعون الذكر)).
وروى أبو داود والحاكم وصححه عن سمرة بن جندب رضي الله عنه أن نبي الله - صلى الله عليه و سلم - قال: ((احضروا الجمعة، وادنوا من الإمام، فإن الرجل ما يزال يتباعد حتى يؤخر في الجنة وإن دخلها)).
ثم إن على المرء إذا حضر في المسجد أن يشتغل بالعبادة والطاعة من صلاة وذكر وتلاوة للقرآن، حتى يخرج الإمام، فإذا خرج الإمام أصغى واستمع للخطبة، متعظًا بما يكون فيها من آيات تتلى، وأحاديث تروى، تذكر بالله تعالى والدار الآخرة، وتدعو إلى التمسك بتعاليم الشرع المبين، والحث على ما فيه خير وصلاح للفرد والأمة، في العاجل والآجل، ثم يؤدي الصلاة بخشوع وسكينة، وتدبر لما يتلى فيها من كلام الله عز وجل، وما يكون فيها من هيئات الذل والعبودية لله تعالى، فإذا فرغ من صلاة الفرض، اشتغل بالأذكار المشروعة بعد الصلاة، ثم يسن أن يتنفل بأربع ركعات في المسجد أو بركعتين في بيته وتأخيرها إلى البيت أفضل لفعله - صلى الله عليه و سلم -، كما ثبت في الصحيحين، فمن حرص على فعل ذلك وأداه بنية خالصة فحري به أن ينال فضل هذا اليوم المبارك وأن يحظى بثوابه العظيم من المنعم الكريم فقد قال - صلى الله عليه و سلم -: ((من توضأ فأحسن الوضوء ثم أتى الجمعة فاستمع وأنصت، غفر له ما بينه وبين الجمعة، وزيادة ثلاثة أيام)) رواه مسلم في صحيحه.
ولتحذروا ـ عباد الله ـ كل ما نهى عنه الشرع وحذر، مما يكون سببًا في فوات أجر الجمعة أو نقصان ثوابها كالتأخر في الذهاب إليها حتى يخرج الإمام، أو إشغال المصلين بتخطي رقابهم، فقد رأى - صلى الله عليه و سلم - وهو يخطب يوم الجمعة رجلاً يتخطى رقاب الناس فقال له - صلى الله عليه و سلم - منكرًا عليه: ((اجلس فقد آذيت وآنيت)) وإنه ليخشى على من يفعل ذلك أن يدخل في عمـوم قـول الله عز وجـل: ))وَٱلَّذِينَ يُؤْذُونَ ٱلْمُؤْمِنِينَ وَٱلْمُؤْمِنَـٰتِ بِغَيْرِ مَا ٱكْتَسَبُواْ فَقَدِ ٱحْتَمَلُواْ بُهْتَـٰناً وَإِثْماً مُّبِيناً(([الأحزاب:58 ].
وليحذر التشويش على عباد الله برفع الصوت بالذكر أو التلاوة، فقد نهى رسول الله عن ذلك بقوله للصحابة حينما علت أصواتهم بالقراءة: ((لا يجهر بعضكم على بعض بالقرآن)) والأسوأ من ذلك أن يحصل التشويش بالحديث مع الغير في أمور الدنيا، ولاسيما أثناء الخطبة، فإن من الحرمان وقلة البصيرة أن ينشغل المرء عن الخطبة بحديث أو عبث بحصى أو غيره، فيفوته بذلك ثواب الجمعة وفضلها، فقد قال - صلى الله عليه و سلم - في التحذير من ذلك: ((من مس الحصى فقد لغا)) رواه مسلم في صحيحه، وروى أيضًا عن أبي هريرة رضي الله عنه أن رسول الله - صلى الله عليه و سلم - قال: ((إذا قلت لصاحبك: أنصت، يوم الجمعة والإمام يخطب فقد لغوت)) وروى الإمام أحمد عن علي رضي الله عنه قال: قال رسول الله - صلى الله عليه و سلم -: ((من قال لصاحبه والإمام يخطب: صه، فقد لغا، ومن لغا فلا جمعة له)).
وإن من كبائر الذنوب ـ يا عباد الله ـ أن يتخلف المسلم عن حضور الجمعة من غير عذر شرعي، فقد شدد رسول الله - صلى الله عليه و سلم - في التحذير من ذلك مبينًا - صلى الله عليه و سلم - أن من فعل ذلك فقد عرض نفسه للإصابة بداء الغفلة عن الله والطبع على قلبه، ومن طبع الله على قلبه عميت بصيرته وساء مصيره، روى مسلم في صحيحه أن رسول الله - صلى الله عليه و سلم - قال: ((لينتهين أقوام عن ودعهم الجمعات أو ليختمن الله على قلوبهم ثم ليكونن من الغافلين))، وروى الإمام أحمد بإسناد حسن، والحاكم وصححه عن أبي قتادة رضي الله عنه أن رسول الله - صلى الله عليه و سلم - قال: ((من ترك الجمعة ثلاث مرات من غير ضرورة طبع الله على قلبه)).
فاتقوا الله عباد الله، ولتغتنموا يوم الجمعة بجلائل الأعمال الصالحة التي تقربكم إلى الله تعالى، وتدنيكم من رحمته ورضوانه، فإن ذلك من أسباب الفلاح والتوفيق في الحياة الدنيا وفي الآخرة، يقول عز وجل: ))يٰأَيُّهَا ٱلَّذِينَ ءامَنُواْ إِذَا نُودِىَ لِلصَّلَوٰةِ مِن يَوْمِ ٱلْجُمُعَةِ فَٱسْعَوْاْ إِلَىٰ ذِكْرِ ٱللَّهِ وَذَرُواْ ٱلْبَيْعَ ذَلِكُمْ خَيْرٌ لَّكُمْ إِن كُنتُمْ تَعْلَمُونَ ، فَإِذَا قُضِيَتِ ٱلصَّلَوٰةُ فَٱنتَشِرُواْ فِى ٱلأَرْضِ وَٱبْتَغُواْ مِن فَضْلِ ٱللَّهِ وَٱذْكُرُواْ ٱللَّهَ كَثِيراً لَّعَلَّكُمْ تُفْلِحُونَ(([الجمعة: 9، 10].
نفعني الله وإياكم بالقرآن الكريم، وبهدي سيد المرسلين، أقول قولي هذا وأستغفر الله لي ولكم ولسائر المسلمين من كل ذنب فاستغفروه، إنه هو الغفور الرحيم.